المدونة القانونية
التنفيذ مقبرة الأحكام: الواقع، التحديات، والحلول في ضوء القانون الإماراتي

لا جدال أن صدور حكم قضائي لصالح صاحب الحق يُمثل لحظة انتصار قانوني طال انتظارها، غير أن هذا الانتصار يظل ناقصًا ما لم يُتوَّج بتنفيذه على أرض الواقع. ومن هنا ظهرت مقولة شائعة بين أروقة القانونيين: "مرحلة التنفيذ هي مقبرة الأحكام"، في إشارة إلى أن كثيرًا من الحقوق تضيع أو تتعطل عند عتبة التنفيذ، رغم أنها حظيت بحكم نهائي واجب النفاذ.
في هذا المقال، نسلط الضوء على التحديات العملية والقانونية التي تعترض طريق طالب التنفيذ في دولة الإمارات، ونقدم رؤية تفصيلية لكيفية التعامل معها بفعالية، مع إبراز الدور الجوهري للمستشار القانوني المتخصص في إدارة ملفات التنفيذ.
أولاً: إشكاليات التنفيذ – من انتصار قضائي إلى معركة تنفيذية
رغم تطور المنظومة القضائية في دولة الإمارات وتبنّيها لأحدث الأنظمة الإلكترونية، لا تزال مرحلة التنفيذ تواجه جملة من التحديات، أبرزها:
1. التهرب الممنهج من التنفيذ
يميل بعض المدينين إلى اتباع أساليب ملتوية لإفشال عملية التنفيذ، منها:
- إفراغ الذمة المالية صوريًا: عبر نقل الأموال أو الأصول إلى أقارب أو شركاء أو جهات صديقة.
- إخفاء محل الإقامة أو التنقل المتكرر: للتهرب من أوامر التبليغ أو الحضور.
- استغلال الثغرات الإجرائية: للطعن في صحة التبليغات أو لتقديم شكاوى كيدية تؤخر التنفيذ.
2. قصور المعلومات المالية عن المدين
في بعض الحالات، يصطدم طالب التنفيذ بصعوبة تتبع الذمة المالية للمدين، نتيجة ضعف الإفصاح أو عدم تجاوب الجهات ذات الصلة (مثل البنوك أو الدوائر العقارية) بالسرعة المطلوبة.
3. الإجراءات التنفيذية المعقدة أحيانًا
رغم وجود نظام قضائي متقدم، فإن تعدد الجهات المختصة – لا سيما عند تنفيذ الأحكام الصادرة من خارج الإمارة أو المتعلقة بأموال موزعة في أكثر من منطقة – قد يؤدي إلى تأخير أو تعقيد في التنفيذ ما لم تُدار العملية باحترافية قانونية عالية.
4. الحفظ الإداري للملفات التنفيذية
كثير من ملفات التنفيذ يتم حفظها دون تحصيل، إما لعدم وجود أموال ظاهرة باسم المنفذ ضده أو لعدم متابعة الملف من قبل طالب التنفيذ، مما يؤدي فعليًا إلى دفن الحكم ضمن الأرشيف القضائي.
ثانيًا: سُبل قانونية فعالة لتجاوز صعوبات التنفيذ
التعامل الناجح مع مرحلة التنفيذ لا يكون إلا باتباع نهج قانوني متكامل، يشمل:
1. الإفصاح القضائي الشامل
وفقًا لأحكام القانون الاتحادي رقم (42) لسنة 2022 بشأن الإجراءات المدنية، يجوز لطالب التنفيذ أن يطلب من المحكمة إصدار أمر بالإفصاح الشامل عن أموال المنفذ ضده، بما يشمل الحسابات البنكية، العقارات، المركبات، الأسهم، والممتلكات الأخرى، مع مخاطبة الجهات المعنية إلكترونيًا.
2. تفعيل الأدوات القانونية الرادعة
يمكن لطالب التنفيذ طلب:
- منع السفر بحق المدين (وفق المادة 324 من قانون الإجراءات المدنية).
- الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة.
- إصدار أمر حبس للمدين عند توافر شروطه، خصوصًا في الديون المدنية والتجارية القابلة للتنفيذ الجبري.
3. استخدام الإنابات القضائية
في حال وجود أصول أو أموال خارج نطاق المحكمة المختصة، يُمكن استخدام الإنابة القضائية لتنفيذ الإجراءات في الإمارة الأخرى، مع الاستفادة من التكامل القضائي بين المحاكم الاتحادية والمحلية.
4. اللجوء للقاضي المختص بطلبات التنفيذ العاجلة
للتعامل مع المحاولات السريعة للمدين بإخفاء أو تهريب أصوله، يمكن تقديم طلبات تنفيذ مستعجلة تُعرض مباشرة على القاضي المختص دون الحاجة إلى دورة إجرائية طويلة.
ثالثًا: المستشار القانوني المتخصص – حجر الزاوية في إدارة ملف التنفيذ
النجاح في تحصيل الحقوق لا يرتبط فقط بصحة الحكم القضائي، بل بكفاءة إدارة الملف التنفيذي، وهو ما يقتضي وجود مستشار قانوني متمرس يتمتع بمهارات دقيقة تشمل:
1. تحليل الذمة المالية للمدين
الخبرة القانونية تمكن المستشار من تتبع المعاملات المالية، واستنتاج أماكن وجود الأصول المحتملة من خلال القرائن القانونية والمصادر المفتوحة، وربطها بالسجل القضائي والمالي للمدين.
2. صياغة الطلبات التنفيذية بكفاءة عالية
كتابة الطلبات بشكل قانوني دقيق ومباشر يوفر الوقت ويجنب الرفض الإجرائي أو الملاحظات الشكلية التي تعطل التنفيذ.
3. المتابعة الدؤوبة والتفاعل مع الجهات القضائية
المستشار الناجح لا ينتظر تحرك الملف تلقائيًا، بل يتابع الإجراءات يومًا بيوم، ويخاطب الجهات المختصة فورًا، ويقدّم طلبات التصحيح أو الاعتراض أو الاستعجال عند اللزوم.
4. إدارة مرحلة الحفظ أو التوقف المؤقت
عند حفظ الملف لعدم توفر أموال، يقوم المستشار المختص بإعادة فتحه عند ظهور مستجدات، مع تقديم اعتراضات أو تظلمات قانونية مدعمة بالسوابق القضائية إن تطلب الأمر.
رابعًا: ملاحظات ختامية واستراتيجية مقترحة لأصحاب الحقوق
- لا تستهين بمرحلة التنفيذ؛ فـ الحكم غير المنفذ لا يختلف عمليًا عن انعدام الحكم.
- تحرّك بسرعة بعد صدور الحكم، وابدأ التنفيذ في نفس اليوم إن أمكن.
- لا تعتمد على الإشعارات التلقائية فقط؛ تابع الملف بنفسك أو عبر مستشارك القانوني.
- حدد هدفك منذ البداية: هل تسعى لتحصيل دين نقدي؟ استرداد أصل؟ تنفيذ التزام؟ وضع هذا الهدف يساعد المستشار على تحديد الوسائل الأنجع.
الخلاصة
يُعد التنفيذ اختبارًا حقيقيًا لفعالية العدالة، وهو ليس مرحلة إجرائية عابرة، بل ساحة قانونية تحتاج إلى التخطيط، السرعة، والاحتراف. ومن هنا، فإن وجود مستشار قانوني متخصص يُعتبر الفارق بين حكم لا يُنفذ وحكم يُترجم إلى حق فعلي على أرض الواقع.
بقلم:
محمد النجار | محمد السركال للمحاماة والاستشارات القانونية
هذا المنشور لعرض المعلومات العامة فقط، ولا يهدف لتقديم استشارة قانونية شاملة أو أي نوع آخر من الاستشارات.
لا تتحمل شركة ليجال أدفايس ميدل إيست والمساهمون مسؤولية أي خسائر قد تنجم عن الاعتماد على المعلومات المذكورة في هذا المنشور. هذا المنشور يهدف فقط إلى الإشارة إلى المسائل القانونية التي تحتاج إلى طلب الاستشارة بشأنها.
لا بد من الحصول على استشارة قانونية شاملة في الوقت المناسب من خلال محامٍ كفء عند التعامل مع مواقف معينة.