Legal blog
نص القرار التعقيبي الإيجابي: نقض أم إبطال؟

1- إبطال الحكم المطعون فيه
إن المتأمل في الفصل 176 من م.م.م.ت - "تقتصر محكمة التعقيب على النظر في خصوص موضوع الطعن وتقرر قبوله أو رفضه وفي صورة القبول تقرر إبطال الحكم أو نقضه كلياً أو جزئياً..." - يلاحظ أن المشرع أورد لفظي "نقض" و"إبطال" فاصلا بينهما بأداة العطف والتخيير "أو" وهو ما يفيد إمكان توقيع الجزاءين.
ولكن قد يعارض هذا الاستنتاج بالقاعدة القائلة بعدم جواز طرق إبطال الأحكام voies de nullité n'ont lieu contre les jugements، فهل استعمل المشرع اللفظين بمعنى واحد؟ يمكن الإجابة بالإيجاب إذ لا معنى للنقض إلا الإلغاء والإبطال (الأستاذ محمد الصالح العياري، مجلة الالتزامات والعقود في ضوء متغيرات العصر ومستجداته الحضارية، الطبعة الأولى تونس 1997).
وقد يتدعم هذا القول بالصياغة الفرنسية للفصل 176 من م.م.م.ت التي لم يرد بها لفظ الإبطال واكتفت بالفعل"casse" أي تنقض. ويمكن كذلك الاحتجاج بعدم وضع المشرع آثاراً خاصة بالإبطال، إذ يتحدث في النصوص اللاحقة عن النقض فحسب ما يجعل ذكر الإبطال إشارة عرضية لا غير.
ويبدو لنا هذا التحليل قابلاً للنقاش، إذ يتضح من عبارة النص أنه يخير قضاة التعقيب بين شيئين، ولا يعقل أن يقع التخيير بين أمرين لا يختلفان. ونجد حجة لهذا الرأي في الفصل 175 رابعاً من م.م.م.ت المتعلق بحالة عدم مراعاة الصيغ الشكلية الأساسية للحكم، ففي هذه الصورة يقضى بإبطال الحكم.
ويبدو لنا أن إبطال الحكم ممكن كذلك في بعض الصور الأخرى كعدم مراعاة الشروط الموضوعية الأساسية للحكم أو للإجراءات ومنها ضعف التعليل (قرار تعقيبي مدني عدد 1753 مؤرخ في 19/04/1979 نشرية محكمة التعقيب 1979 الجزء 1 ص 198).
ويمكن تأكيد أن قضاة التعقيب ملزمون بتطبيق أحد الأمرين فإذا وجدت أسباب الإبطال وجب توقيع هذا الجزاء دون غيره. ونلاحظ أن الإبطال يمكن أن يكون جزئياً أو كلياً بحسب شمول البطلان للحكم أو لبعض أجزائه. ونشير إلى أن للإبطال نظام النقض الذي بينه المشرع (أي أنه يكون مع الإحالة إلى محكمة الموضوع كصورة ضعف التعليل، أو دونها كلما لم يبقَ موجب لإعادة النظر كحالة انعدام أهلية الطالب، أو عند طعن النيابة العمومية لمصلحة القانون. وقد يصدر القرار التعقيبي كذلك بالابطال مع بت الأصل ولو من قبل الدوائر المجتمعة).
2- نقض الحكم المطعون فيه
النقض لغة من نقض البناء هدمه، أو حل ما وقع أحكامه من ذلك قوله تعالى "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" ( سورة النحل الآية 92).
أما اصطلاحاً، فهو يفيد الجزاء المسلط على الحكم المخالف للقانون. ويمكن تأكيد أن جزاء النقض يتسلط على الحكم المبني أي الصحيح غير الباطل، وأن جزاء الإبطال يكون لغير المبني أي الباطل (راجع مقالنا قراءة للفصل 175 أولاً من م.م.م.ت).
ويكون النقض كلياً أو جزئياً. فالنقض الكلي يتسلط على الحكم كله فيلغى، أما النقض الجزئي فإنه يمس جزءاً معيناً من الحكم مبقياً للجزء الآخر كل النفوذ. ويمكن تطبيق هذه الحالة مثلا في صورة تحريف الوقائع وتعلق جزء من منطوق الحكم بهذا التحريف، فيجب إبقاء جزء المنطوق الذي يناسب الوقائع الصحيحة ونقض الجزء المتعلق بالوقائع المحرفة.
كما أن النقض يمكن أن يكون مع الإحالة، أي أن محكمة التعقيب تعاين المخالفة القانونية وتقرر نقض الحكم وإحالة القضية إلى محكمة الأصل لإعادة الحكم فيها بهيئة أخرى. كما يمكن أن يكون دون إحالة إذا لم يبقَ موجب لإعادة النظر. من ذلك صورة إجابة محكمة الاستئناف عن أوجه الطعن ورفضها جميعاً رفضاً قانونياً سليماً وإثارتها واقعة غير موجودة بالملف وتأسيس نقض الحكم الابتدائي على ذلك. ففي هذه الحالة، يمكن لمحكمة التعقيب أن تقرر النقض دون إحالة.
ويكون النقض كذلك إذا تعلق الأمر بطعن وكيل الدولة العام لمصلحة القانون إذ ينص الفصل 181 من م.م.م.ت على أن "القرار الذي يصدر بقبول ذلك الطعن يقتصر فيه على تصحيح الخطأ القانوني بدون إحالة... ويذيل الحكم المنقوض بنص ذلك القرار."
ويظهر من الفصل 176 من م.م.م.ت أن حكم محكمة الإحالة معرض بدوره للنقض، "فإذا كان الطعن للمرة الثانية لغير السبب الأول الواقع من أجله النقض ورأت المحكمة نقض الحكم المطعون فيه، فإنها تبت في الموضوع إذا كان مهيأ للفصل". ويكون الموضوع كذلك إذا لم يبقَ أي موجب لزيادة البحث فيه.
كما أورد الفصل 191 من م.م.م.ت صورة تأسيس الطعن الثاني على السبب نفسه الواقع من أجله النقض أول مرة، مقرراً أن محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة تنظر في المسألة القانونية المختلف فيها، وإذا رأت النقض فإنها تبت الموضوع إن كان مهيأ للفصل، وإذا أحالت القضية فإن قرارها ملزمٌ لمحكمة الإحالة.
بقلم:
يوسف الصابري | مكتب يوسف الصابري للمحاماة
Currently, there is no information to display in this section.
This publication is for general information purposes only. It does not purport to provide comprehensive full legal or other advice.
Legal Advice Middle East and the contributors accept no responsibility for losses that may arise from reliance upon information contained in this publication. This publication is intended to give an indication of legal issues upon which you may need advice.
Full legal advice should be taken in due course from a qualified professional when dealing with specific situations.