المدونة القانونية
العلامة التجارية بين أولوية الاستعمال وامتياز التسجيل

العلامة التجارية بين أولوية الاستعمال وامتياز التسجيل: قراءة تحليلية في ضوء القانون الإماراتي واجتهادات المحاكم
مقدمة
لم تعد العلامة التجارية مجرد وسيلة لتمييز المنتجات أو الخدمات، بل أضحت من أبرز مكونات الهوية التجارية، وأحد أعمدة بناء الثقة في العلاقة بين التاجر والمستهلك. إنها أداة تنافسية فعالة، تُمثل قيمة اقتصادية ومعنوية متزايدة في بيئة تجارية تتسم بالديناميكية والانفتاح.
وانطلاقًا من هذه الأهمية، أولاها المشرّع الإماراتي عناية خاصة من خلال المرسوم بقانون اتحادي رقم (36) لسنة 2021 بشأن العلامات التجارية، الذي جاء مستجيبًا لمتطلبات التوازن بين حق المبتكر في الحماية وضرورة احترام أسبقية من استعمل العلامة فعليًا في السوق.
وتُعد المادة (18) من هذا القانون محورًا تشريعيًا بالغ الأهمية في تنظيم مسألة الملكية والتنازع بشأن العلامة، إذ تكرّس مبدأ أسبقية التسجيل مع مراعاة حسن النية، وتمنح في الوقت ذاته الاستعمال الجاد والمسبق مكانة قانونية راسخة.
وسيتناول هذا المقال دراسة معمقة للمادة (18)، تحليلًا ونقدًا، في ضوء اجتهاد محكمة التمييز بدبي في الطعن رقم 500 لسنة 2024 تجاري، الصادر بتاريخ 31/07/2024، والذي شكّل نقطة تحول في تفسير هذا النص وتطبيقه.
أولًا: التأصيل القانوني لمفهوم ملكية العلامة التجارية
عرّف القانون الإماراتي العلامة التجارية بأنها:
"كل ما يأخذ شكلاً مميزاً من الأسماء أو الكلمات أو الإمضاءات أو الحروف أو الأرقام أو الألوان... ويُستخدم لتمييز سلع أو خدمات معينة."
هذا التعريف يُبرز الطابع الوظيفي للعلامة بوصفها أداة لتمييز المنشأ التجاري للسلعة أو الخدمة، ويُعزز من منطق حمايتها كحق معنوي له مظاهر مادية وقانونية.
1- التسجيل كقرينة قانونية على الملكية:
جاء في المادة (18/1):من قانون العلامات التجارية "يُعد من قام بتسجيل العلامة التجارية مالكًا لها، ولا تجوز المنازعة في ملكيتها متى اقترن تسجيلها واستعمالها من تاريخ تسجيلها بصفة مستمرة مدة لا تقل عن (5) سنوات دون وجود نزاع قضائي بشأنها، ما لم يثبت وجود سوء نية لدى من قام بتسجيل العلامة."
ويُفهم من هذا النص ما يلي:
-
أن التسجيل يمنح قرينة قانونية على الملكية، لكنها قرينة قابلة للدحض وليست نهائية، ما دام النزاع قائمًا ولم تمضِ الخمس سنوات.
-
الاستخدام المتواصل لمدة خمس سنوات يعزز هذه القرينة، ويجعلها تقترب من مركز الحصانة، بشرط غياب النزاع القضائي خلال تلك المدة.
-
مع ذلك، سوء النية عند التسجيل يُعد استثناء جوهريًا يُقوّض حتى الملكية الناشئة عن التسجيل والاستخدام المستمر، حمايةً للعدالة التجارية.
2- أسبقية الاستعمال كحق مستقل في مواجهة التسجيل:
أما المادة (18/2) من قانون العلامات التجارية فقد قررت: "يجوز لمن كان أسبق إلى استعمال العلامة التجارية ممن سُجلت باسمه العلامة في الوزارة أن يطلب من الوزارة إلغاء هذا التسجيل خلال (5) سنوات من تاريخ التسجيل، ما لم يوافق صراحة أو ضمنًا على استعمال العلامة."
ويتضح من ذلك أن:
-
الاستعمال السابق للعلامة يشكل أساسًا مستقلاً للملكية، يُمكن لمن يتمسك به أن يُنازع في صحة التسجيل خلال خمس سنوات من تاريخه.
-
السكوت أو الإقرار الصريح أو الضمني باستخدام الغير للعلامة يُعد تنازلًا ضمنيًا يُسقط الحق في الطعن.
-
الحق في طلب الإلغاء يسقط بالتقادم الإجرائي، بما يُبرز أهمية التحرك القانوني في الوقت المناسب لحماية الحقوق التجارية.
ثانيًا: فلسفة الموازنة بين التسجيل والاستعمال في التشريع الإماراتي:
أ. التسجيل: وسيلة إثبات وحماية مشروعة:
يمثل التسجيل حجر الزاوية في النظام القانوني لحماية العلامات التجارية، نظرًا لأنه:
-
يُضفي صفة العلنية على الحق، ويُعزز اليقين القانوني.
-
يُمكّن مالك العلامة من اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المعتدين.
-
يُشكل قرينة إثبات قوية تُيسر عملية التقاضي.
ب. الاستعمال: التعبير العملي عن الحق:
في المقابل، يُعد الاستعمال:
- التعبير الواقعي عن وجود رابطة ذهنية بين العلامة والسلعة لدى جمهور المستهلكين.
- دليلاً على النية الحسنة والنشاط التجاري الفعلي.
- أداة حيوية في تحقيق الغاية الاجتماعية للعلامة التجارية، والتي تقوم على وضوح المصدر وتيسير المنافسة.
وقد راعى القانون الإماراتي الجمع بين الامتيازين – التسجيل والاستعمال – على نحو يضمن حماية الحقوق المكتسبة من جهة، ويحول دون استغلال النظام بشكل غير مشروع من جهة أخرى.
خاتمة: نحو توازن عادل بين الشكل والمضمون
يؤكد التحليل أن المشرّع الإماراتي لم يُغلب جانب التسجيل على حساب الحقيقة الواقعية التي قد يُجسدها أسبقية الاستعمال، بل أقام معادلة مرنة تقوم على:
-
منح التسجيل دورًا أساسيًا في الحماية،
-
مع الاحتفاظ للمستعمل الأسبق بحق الطعن متى أثبت جديته وتحركه في الإطار الزمني المحدد.
وقد أرست محكمة التمييز بدبي في حكمها المشار إليه مبدأ مهمًا مفاده أن حسن النية شرط جوهري لاكتساب الحماية القانونية للعلامة، وأن الاستعمال الجاد المتواصل لا يُمكن إهداره لمجرد تأخر في التسجيل، طالما لم يقترن بسكوت ضار.
وهكذا، تتحقق المعادلة القانونية الرشيدة:
"لا حماية قانونية بلا تسجيل، ولا مشروعية للملكية دون استعمال، ولا استقرار للحقوق دون نية حسنة."
بقلم:
محمد النجار | محمد السركال للمحاماة والاستشارات القانونية
هذا المنشور لعرض المعلومات العامة فقط، ولا يهدف لتقديم استشارة قانونية شاملة أو أي نوع آخر من الاستشارات.
لا تتحمل شركة ليجال أدفايس ميدل إيست والمساهمون مسؤولية أي خسائر قد تنجم عن الاعتماد على المعلومات المذكورة في هذا المنشور. هذا المنشور يهدف فقط إلى الإشارة إلى المسائل القانونية التي تحتاج إلى طلب الاستشارة بشأنها.
لا بد من الحصول على استشارة قانونية شاملة في الوقت المناسب من خلال محامٍ كفء عند التعامل مع مواقف معينة.