المدونة القانونية
الكورونا في القانون: ظرف طارئ أم قوة قاهرة؟

أولاً: تعريف القوة القاهرة
هي حدث مفاجئ يطرأ دون تدخل أحد المتعاقدين ويحول دون تنفيذ العقد، ولم تحصر الأنظمة في الدول المختلفة وإنما قصرتها على بعض الأمثلة ( الزلازل ، الحروب ، الأوبئة... إلخ).
ثانياً: تعريف الظرف الطارئ
هو الحالة الاستثنائية التي يطرأ فيها بعد إبرام العقد وقبل تنفيذه حادث لم يكن متوقعاً، من شأنه أن يؤدي الى اختلال التوازن بين التزامات الطرفين اختلالاً فادحاً، إذ يصبح الالتزام الملقى على عاتق المدين مرهقاً له إرهاقا شديداً ويترتب على تنفيذه له خسارة فادحة.
ويـُـثار التساؤل هنا هل تعتبر الكورونا قوة قاهرة أو ظرف طارئ في النظام السعودي وهل يجبر المدين على الوفاء بالتزاماته مما أصابه بسبب ذلك من إرهاق أو يعفى من التزاماته كما في حالة الاستحالة الناشئة عن القوة القاهرة؟
لتحديد كونها ظرف طارئ أم قوة قاهرة، ينبغي أولاً النظر إلى طبيعة العقود ومكان تنفيذها، وكون طبيعتها قابلة للتأثر بالظروف الخارجية أم يمكن تنفيذها رغم ما طرأ من أحداث.
ثالثاً: القوة القاهرة و الظرف الطارئ في القانون المدني المصري
حيث نصت المادة 147 من القانون المدني المصري على أن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي لم يصبح مستحيلاً وإنما صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.
باستقراء هذه المادة يتبين أن تقدير القوة القاهرة وتحديد سريان العقد من استحالة نفاذه هو أمر خاضع للسلطة التقديرية للقاضي، و يبني القاضي قراره على مدى بلوغ الخسارة على المدين ومدى الخسارة الناجمة على الدائن جراء إلغاء العقد لاستحالة أو حتمية التأخر في التنفيذ. كذلك لا بد من توافر بعض الشروط التي يستند عليها القاضي في تقدير حكمه بموازنة الالتزام في العقد بسبب الحدث الخارجي وهي كالتالي:
أ- وقوع حادث استثنائي بعد إبرام العقد وقبل التنفيذ، مثل الانخفاض الفاحش في الأسعار، قيام حرب، حدوث وباء صدرت معه قرارات يستحيل معها نفاذ العقد، كالقرار الأخير الذي أصدرته السلطات المصرية بمنع تصدير البقوليات والحبوب إلى الخارج ، الأمر الذي سينتج معه إلغاء العقود الخارجية الخاصة بهذا الصدد لاستحالة التنفيذ.
ب- عدم تدخل إرادة أحد المتعاقدين في إحداث مثل هذه العوارض، أي لا يمكن توقع حدوثها ولا يستطاع دفعها.
ت- أن تجعل مثل هذه العوارض تنفيذ الالتزام مرهقاً على المدين وليس بالضرورة أن تصل إلى حد الاستحالة في التنفيذ، حيث أن إرهاق المدين يعتبر معياراً مرناً يتغير بتغير الظروف المحيطة وبظروف المدين المالية، فما يكون مرهقاً لمدين قد لا يكون مرهقاً لمدين آخر. وبالتالي فللقاضي تقدير المسألة بحسب ظروف كل حالة، فقد يحكم بفسخ العقد بالكامل، وقد يحكم بإنقاص الالتزام، و قد يحكم بزيادة التزام الدائن بقدر الالتزام المرهق للمدين، وقد يقضي بوقف التنفيذ حتى يزول الحدث الطارئ إذا كان حادثاً مؤقتاً يقدر له الزوال في وقت قصير.
فيما سلف ذكرنا عن الظرف الطارئ واعتبار الحد المرهق للمدين منقصاً لالتزامه أو مزوداً لالتزام الدائن بحيث يتحقق ميزان العدالة بينهما، أما من حيث استحالة التنفيذ بسبب القوة القاهرة فقد نصت المادة 159 من القانون المدني المصري (في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه).
وتبعاً لذلك النص فإنه ينظم الأثر الناتج عن استحالة تنفيذ العقد وهو فسخ العقد، وبالتالي لا يتحمل أي من الأطراف أي مسئولية تعاقدية ناشئة عن هذا الفسخ، وهذا ما أكدته المادة 165 من القانون المدني المصري في نصها (يترتب على قيام السبب الأجنبي سواء كان قوة قاهرة أم خطأ الدائن أم خطأ الغير، انقضاء الالتزام الملقى على عاتق المدين بموجب العقد، وبذلك ينقضي العقد تبعاً لوجود هذا السبب، فإذا حصلت الاستحالة ينقضي الالتزام).
كذلك جدير بالإشارة إلى المادة 373 من القانون المدني بنصها (ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه). وباستقراء المواد سالفة البيان يتبين ضرورة توافر شرطين لاعتبارها قوة قاهرة:
1- استحالة التنفيذ.
2- استحالة دفع القوة القاهرة.
وهنا تأتي الإجابة على كون الكورونا ظرف طارئ أم قوة قاهرة في النظام السعودي، حيث أصدرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بتاريخ 07\04\2020 قراراً لتنظيم العلاقة التعاقدية بين العاملين وأصحاب العمل، فأتاحت الوزارة لصاحب العمل أن يتفق مع العامل على أحد أمرين:
أ- تخفيض أجر العامل بما يتناسب مع ساعات العمل الفعلية.
ب- منح العامل إجازة تحتسب من أيام إجازاته السنوية المستحقة أو منح العامل إجازة استثنائية.
وبالتالي لا يجوز أن يفرض صاحب العمل قراره بتخفيض الراتب إلا بعد اتفاقه مع العامل ولا يجوز له إجباره على ذلك، ولكن قد يضرم الخلاف ناره في علاقة العمل بين العامل وصاحب العمل فيضطر الأخير لاتخاذ إجراء الفصل بحجة وجود القوة القاهرة، فيلجأ العامل إلى المحكمة العمالية مستقبلاً نتيجة لهذا التصرف، في هذه الحالة يكون القرار خاضعاً للسلطة التقديرية التقديرية للقاضي، فقد يقوم بالموازنة بين التزامات العامل والتزامات صاحب العمل من حيث عدد ساعات العمل الفعلية والإنتاجية وقد يحكم للعامل بمستحقاته للفصل التعسفي.
ورأينا في ذلك أن الكورونا أثرها كأثر الظرف الطارئ على عقود العمل، فأغلب العاملين أصبحوا في منازلهم غير قادرين على الذهاب إلى مقار أعمالهم، وبالتالي فإن رواتبهم تعد استنزافاً وإرهاقاً لصاحب العمل، الأمر الذي ينبغي معه تقليص الأجور مؤقتاً حتى تنفرج الأزمة ثم تعود الأمور إلى طبيعتها.
ولذلك ميزة هامة وهي تجنب فصل الموظفين والذي سيمتد أثره طويلاً حتى بعد الأزمة لما في ذلك من تناقص مدخرات المفصول واستنزافه لمزيدٍ من الوقت في البحث عن فرصة عمل مناسب وإجراءات التوظيف التي قد تطول أو تقصر بحسب الشركة.
أما في العقود التجارية، فيختلف الوضع باختلاف مكان تنفيذ العقد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، شراء المنتجات الغذائية والمعقمات من الخارج، ففي هذه الحالة، يعد الأمر قوة قاهرة يستحيل معها تنفيذ العقد وذلك لقيام عدة دول بوقف توريد المواد الغذائية كما أسلفنا سابقاً وبعض الدول قامت بوقف توريد المعقمات والمطهرات وذلك لتغطية اكتفائها. ولما كانت القرارات الإدارية تدخل من ضمن القوة القاهرة التي يستحيل دفعها من أحد أطراف العقد، فإنه ينتج عنها فسخ العقد وينبغي رد العربون المدفوع ويعود الحال لما كان عليه قبل التعاقد بين الطرفين.
أما من حيث العقود الداخلية، كتلك التي تبرم بين تجار التجزئة والجملة وبين تجار الجملة وذلك فيما يخص المواد الغذائية محلية الصنع، ولما كان قرار حظر التجول يستثني قطاعات الأغذية والتموينات والسوبرماركت ومحلات بيع الخضار والدواجن وغيرها من المحلات الغذائية، فإنه لا ينطبق عليها نظرية القوة القاهرة وذلك لكونها تعمل بشكل طبيعي دون التأثر بنتائج الكورونا وبالتالي لا تحول دون تنفيذ التزامات هؤلاء التجار أمام بعضهم البعض إلا إن كان ذلك الالتزام مقترناً ببضاعة قادمة من أحد الدول التي منعت تصدير أغذيتها.
الخلاصة
حدث الكورونا لا يعتبر قوة قاهرة في المطلق، فهو بحسب نوع وطبيعة العقد فهناك بعض العقود تعتبر الكورونا بالنسبة لطبيعتها قوة قاهرة في حال استحال تنفيذها، وبعض العقود الأخرى يتطلب تنفيذها عدم إرهاق المدين ولا يستحيل معها التنفيذ وفي هذه الحالة تعتبر الكورونا بالنسبة لها مجرد ظرف طارئ، ونحن في انتظار مرور هذه الازمة وتزاحم القضايا على المحاكم التجارية لنرى التسبيبات القضائية والتكييف القضائي لكل حالة.
بقلم:
شهاب الصالح | مكتب شهاب الصالح للمحاماة
هذا المنشور لعرض المعلومات العامة فقط، ولا يهدف لتقديم استشارة قانونية شاملة أو أي نوع آخر من الاستشارات.
لا تتحمل شركة ليجال أدفايس ميدل إيست والمساهمون مسؤولية أي خسائر قد تنجم عن الاعتماد على المعلومات المذكورة في هذا المنشور. هذا المنشور يهدف فقط إلى الإشارة إلى المسائل القانونية التي تحتاج إلى طلب الاستشارة بشأنها.
لا بد من الحصول على استشارة قانونية شاملة في الوقت المناسب من خلال محامٍ كفء عند التعامل مع مواقف معينة.